BC History BC History

الحصن الأخير للوثنية : قصة البلطيق ومقاومة الغزو الصليبي الشمالي

تعرف على القصة الحقيقية لآخر معقل وثني في أوروبا، حيث قاومت شعوب البلطيق الغزو المسيحي لأكثر من قرن، في صراع دموي خفي تجاهله التاريخ الرسمي. مقال تاريخي شامل عن الحروب الصليبية الشمالية والمقاومة الليتوانية.


الصليبيون الدنماركيون في معركة ليندانيسي (تالين) ضد الوثنيين الإستونيين، 15 يونيو 1219. رسمها سي. إيه. لورينتزن في عام 1809.

الفصل الأول: أرض الآلهة الصامتة

في أقصى شمال شرق أوروبا، بين بحر البلطيق و غابات الصنوبر الكثيفة و المستنقعات الموحلة، كانت تعيش شعوب غامضة', كانت في تلك الفترة لا تزال تمارس طقوسها القديمة، وتعبد آلهة النار والشمس والأشجار.

هذه الشعوب التي نسميها اليوم الليثوانيين، اللاتفيين، البروسيين و الأستونيين القدماء كانو معزوليين جغرافيًا عن الممالك الأوروبية المسيحية، لكنّهم لم يكونو بدائيين كما يصورهم البعض.

بلاد البلطيق لم تكن خاضعة لأي إمبراطورية كالرومانية ولا حكمتها الكنيسة الكاثوليكية، ولذلك حافظت على موروث وثني عميق الجذور، لم يتغير لقرون طويلة.

كان الكهنة في المعابد الخشبية يديرون الطقوس النارية في الغابات، وكان الناس يؤمنون بقوى الطبيعة، و الميثولوجيا التي كانت تشبه لحد كبير معتقدات الفايكينغ, كونهم يعتبرون الإسكندنيفيين أقاربهم، و كانو يحتفلون بانقلاب الشمس، ويقدمون القرابين لآلهة المطر والحصاد والبرق.

أدى التكريم البروسي لعام 1525 إلى تأسيس دوقية بروسيا كدوقية تابعة لمملكة بولندا، بدلاً من دولة النظام التيوتوني

الفصل الثاني: عندما أصبحت الوثنية تهديدًا

مع حلول القرن الثاني عشر، كانت أوروبا الغربية قد أصبحت بالكامل تحت راية الصليب. البابا والملوك كانوا ينظرون إلى أي شعب وثني على أنه "عدو لله".

لكن مشكلة بلاد البلطيق لم تكن فقط دينية... بل جغرافية أيضًا.

بعد ما تعرفت أوروبا على الفايكينغ بعد غزوهم لإنجلترا و نجاحهم أخيراً في أخذها من الساكسون، و تحولهم للمسيحية بدأً من الملك بلوتوث ملك الدنمارك و حتى "كنوت" العظيم الذي حكم إمبراطورية بحر الشمال ( الدنمارك، النرويج، إنجلترا، آيسلندا و يوتلاند )

رأت الكنيسة أن هذه المنطقة القريبة من أراضيه قد تكون مفيدة لها، فبدأ بإرسال المبشرين من أراضيه، و أكتشفو أنها كانت تقع على طريق تجاري حيوي بين بحر البلطيق والداخل الأوروبي، وكانت غنية بالأخشاب والعنبر والعسل والفراء.

لذلك، بدأت العين المسيحية تتحول نحو الشرق... ليس فقط لنشر الدين، بل للسيطرة على الأرض والثروة أيضًا.


الفصل الثالث: صعود الجيوش الصليبية الشمالية

في عام 1198، نشأت واحدة من أكثر الحركات العسكرية دموية في التاريخ: الحملة الصليبية الشمالية، أو كما تُعرف في التاريخ الأوروبي بـ"حروب البلطيق الصليبية".

لكن خلافًا للحملات التي انطلقت نحو القدس، كانت هذه الحروب تستهدف شعوب البلطيق "المتخلفة" حسب زعمهم، بغرض تنصيرهم وضمّهم إلى الحضارة المسيحية.

قاد هذه الحروب فرسان منظمون ومتدينون للغاية، أبرزهم فرسان التيوتونيون، الذين تحوّلوا من حماة للحجاج الألمان و الفرنجة في القدس إلى غزاة للغابات الوثنية الباردة في ليتوانيا ولاتفيا وبروسيا.

شكلت معركة جرونوالد (1410) بداية انحدار دولة النظام التوتوني (لوحة من القرن التاسع عشر بريشة يان ماتيكو)

الفصل الرابع: النار والرماد جحيم التنصير

لم يكن التنصير في البلطيق عملية دعوية سلمية، بل كان عملية حربية دموية بمعنى الكلمة.

تم حرق القرى، تدمير المعابد الوثنية، ذبح الكهنة، وفرض المعمودية بالقوة.

كان فرسان التيوتونيون يؤمنون بأنهم يخوضون حربًا مقدسة، تمامًا كما حدث في القدس، لكن ضحاياهم لم يكونوا مسلمين، بل شعوب أوروبية تتحدث لغات غير مفهومة وتعبد "شياطين الطبيعة" حسب وصف الكنيسة.

الجرائم التي ارتكبت باسم الصليب في البلطيق كانت مرعبة: القتل الجماعي، استعباد الأطفال، إجبار النساء على المعمودية، وفرض الضرائب الكنسية على الفلاحين.

الفصل الخامس: المقاومة الليتوانية أمة لا تنحني

من بين جميع شعوب البلطيق، كانت ليتوانيا الأكثر صمودًا. رفضت الخضوع للغزاة لأكثر من قرن ونصف.

كوّنت إمارة قوية، توسعت تدريجيًا حتى أصبحت واحدة من أكبر الدول في أوروبا بحلول القرن الرابع عشر.

رفضت ليتوانيا التنصير، ليس فقط دفاعًا عن ديانتها، بل أيضًا كوسيلة دبلوماسية ذكية. كانت تلعب على التوازن بين ممالك أوروبا الكاثوليكية والإمارات الأرثوذكسية، وكانت تستفيد من كونها "الوثنية الأخيرة" لإبقاء الجميع في حالة ترقّب.

حالة النظام التوتوني في عام 1422

الفصل السادس: النهاية السياسية للوثنية

في عام 1386، حصلت المفاجأة الكبرى. الملك الليتواني ياغايلو قرر الزواج من الملكة البولندية يادفيغا، وكان الشرط الأساسي لذلك هو أن يعتنق المسيحية. وافق الملك، وتعمد على يد الكنيسة الكاثوليكية، وتحولت ليتوانيا رسميًا إلى دولة مسيحية، لتُعلن بذلك نهاية الوثنية السياسية في أوروبا.

لكن التنصير كان سطحيًا في البداية، وظلت العادات الوثنية حية في القرى والغابات لقرون لاحقة، متنكرة في شكل "تقاليد شعبية" و"احتفالات موسمية".

الفصل السابع: إرث مقاومة منسية

رغم أن أوروبا المسيحية انتصرت في نهاية المطاف، إلا أن ذاكرة شعوب البلطيق ما زالت تحتفظ بذلك الماضي المعتم.

في الأغاني الشعبية، في الأساطير الريفية. و في أسماء الغابات والأنهار، تعيش بقايا الوثنية القديمة.

اليوم، تعود ليتوانيا ولاتفيا بقوة إلى الاهتمام بتراثها ما قبل المسيحي، وتُقام المهرجانات الوثنية، ويُعاد بناء المعابد الرمزية، وتُروى قصص المقاومة ضد الغزو الصليبي.



الدول البلطيقية اليوم

Read More