الطبيب الذي أودع مصحة عقلية لأنه أخترع غسل اليدين !
الطبيب الذي أُودِع مصحة عقلية لأنه اخترع غسل اليدين! | قصة إغناز سيميلويس منقذ الأمهات
إغناز سيميلويس
في القرن التاسع عشر، كانت المستشفيات الأوروبية تعجّ بالمآسي أكثر مما تُعالج من أمراض. كانت معدلات وفيات الأمهات بعد الولادة مرتفعة إلى حدّ مروّع، والسبب كان مجهولاً، أو بالأحرى، لم يجرؤ أحد على الاعتراف به. في تلك الفوضى الطبية، ظهر رجل واحد فقط تجرّأ على قول الحقيقة، فدفع الثمن غالياً.
اسمه إغناز فيليب سيميلويس ، طبيب مجري وُلِدَ عام 1818م في بودا، أحد جزأي مدينة بودابست الحديثة، داخل الإمبراطورية النمساوية-المجرية. بعد دراسة الطب في جامعة فيينا، التحق بالعمل في مستشفى فيينا العام، وهو أحد أهم وأكبر المراكز الطبية في أوروبا آنذاك. وهناك، واجه مأساة إنسانية لم يستطع أن يغضّ الطرف عنها.
الظاهرة الغامضة : لماذا تموت الأمهات؟ كان مستشفى فيينا يحتوي على جناحين للولادة: الجناح الأول يديره الأطباء وطلّاب الطب، والثاني تديره القابلات. ومن المثير للدهشة أن النساء كنّ يتوسّلن لنقلهن إلى جناح القابلات، لأن معدلات الوفاة فيه كانت أقل بكثير. في المقابل، كانت الأمهات في جناح الأطباء يمتن بنسبة وصلت إلى 10-18%، غالبًا بسبب ما كان يُعرف آنذاك بـ"حمى النفاس". عدوى قاتلة تصيب الرحم بعد الولادة. سيميلويس لم يرضَ بهذه المفارقة. بدأ بتحليل التفاصيل اليومية بعين الباحث، وركّز على تسلسل الأحداث بدلاً من التسليم بالمعتقدات الطبية السائدة. لاحظ أن الأطباء وطلاب الطب كانوا يجرون عمليات التشريح على الجثث في الصباح، ثم ينتقلون مباشرةً إلى غرف الولادة دون غسل أيديهم. لم يكن مفهوم "الجراثيم" معروفًا بعد، ولكن سيميلويس استنتج بشكل عبقري وجود "جزيئات ملوثة" تنتقل من الجثث إلى الأمهات.
الثورة النظيفة: في عام 1847 اتخذ سيميلويس إجراءً غير مسبوق, فرض على جميع العاملين في جناحه غسل أيديهم بمحلول الجير المكلور (هيبوكلوريت الكالسيوم)، وهو مطهّر قوي. كانت النتيجة مذهلة وصادمة, انخفض معدل وفيات الأمهات من 18% إلى أقل من 2% خلال بضعة أشهر فقط. لكن ما بدا كإنجاز عظيم، استُقبل من قبل المجتمع الطبي كإهانة.
مفارقة الرفض: كيف يجرؤ أن يتهم الأطباء؟ بدلاً من الاحتفاء باكتشافه، واجه سيميلويس رفضاً شرساً من زملائه. كانت فكرته تحمل ضمنًا أن الأطباء "رجال العلم والنبل" هم سبب موت الأمهات. بالنسبة لهم، كان هذا اتهامًا لا يُغتفر. كما أن غياب التفسير العلمي الواضح (نظرية الجراثيم لم تكن موجودة بعد) جعل الكثيرين يرون في استنتاجاته مجرد تخمينات غير مبررة. وكلما ازداد رفض المجتمع الطبي له، ازداد إحباط سيميلويس. أصبح أكثر هجومية في خطاباته، ووصل به الأمر إلى نشر رسائل مفتوحة يتهم فيها أطباء التوليد بـ"القتل غير المقصود"، قائلاً:
"كل طبيب يرفض غسل يديه مسؤول عن موت النساء. هذا قتل! هذا جهل قاتل!"
السقوط: عُزل سيميلويس من منصبه عام 1849، وطُلب منه مغادرة المستشفى. تنقّل بعدها بين بودابست وفيينا، محاولاً نشر فكرته، ولكن المجتمع الطبي أغلق الأبواب في وجهه. في سنواته الأخيرة، بدأت علامات الاضطراب العقلي تظهر عليه. يعتقد بعض المؤرخين أن ما عانى منه كان انهياراً نفسياً ناتجاً عن الاحتقار المستمر والتجاهل المتعمد لإنجازاته، وربما أثّرت عليه أيضًا أعراض مرض الزهري أو ألزهايمر مبكر. عام 1865، أُودِع سيميلويس قسرًا في مصحة عقلية، وهناك، تعرّض للضرب والإهمال، وتوفي بعد أسبوعين فقط، من التهاب في جرح أصابه في يده في مفارقة قاسية، قُتل بنفس المرض الذي قضى حياته في محاولة منعه. كان عمره 47 عامًا فقط.
الاعتراف المتأخر: حين قالت الجراثيم كلمتها بعد وفاته، أثبت العالم الفرنسي لويس باستور نظرية الجراثيم، وأكّد أن الكائنات الدقيقة هي سبب العدوى. لاحقًا، طوّر الطبيب البريطاني جوزيف ليستر طرق التطهير الجراحي بناءً على مبادئ مشابهة، وأصبح غسل اليدين وتطهير الأدوات قاعدة ذهبية في الطب الحديث. اليوم، يُعتبر إغناز سيميلويس "منقذ الأمهات"، وقد أطلقت منظمة الصحة العالمية اسمه على جوائز للنظافة الطبية، وتمّ بناء تماثيل له في بودابست وفيينا، وذُكِر اسمه في مناهج الطب حول العالم.
الدرس: الحقيقة لا تنتصر دائمًا بسرعة قصة سيميلويس ليست مجرد حكاية طبية، بل مأساة إنسانية وعبرة فلسفية: كيف يمكن للمجتمع أن يرفض الحقيقة لأنها تهزّ كبرياءه؟ وكيف يمكن لعبقري سابق لعصره أن يُعاقَب على صدقه بدلاً من مكافأته؟ إن غسل اليدين اليوم يبدو من البديهيات، لكن هذه البديهية كلفت رجلاً حياته، لأنه قال ببساطة:
"الأيدي القذرة تقتل."
الرجل الذي رفض أداء التحية النازية
الرجل الذي رفض أداء التحية الن*زية.
الجندي الألماني في الصورة هو أوغست لاندميسر، انضم لاندميسر إلى الحزب النازي عام 1932، معتقدًا أن ذلك سيساعده في الحصول على وظيفة خلال فترة اقتصادية صعبة. ومع ذلك، في عام 1934، وقع لاندميسر في حب امرأة يهودية تُدعى إيرما إيكلر.
بعد عام، تمت خطبتهما، لكن طلب زواجهما رُفض بموجب قوانين نورمبرغ التي سُنّت حديثًا التي تمنع تزاوج الألمان من السلاف و اليهود و العرب و الشيوعيين و المعوقين و الغجر، و مع ذلك، لم يمنعهما هذا من إنجاب أطفال خارج الزواج المدني، وأنجبت إيكلر ابنتهما الأولى، إنغريد، عام 1935.
بعد عامين، حاول لاندميسر وزوجته وابنته الفرار من ألمانيا إلى الدنمارك، لكن السلطات ألقت القبض عليهما. وُجهت إلى لاندميسر تهمة "إهانة العرق الآري"، لكنه بُرِّئ لاحقًا لعدم وجود أدلة كافية، وأُمر بقطع علاقته بإيكلر.
لكنه رفض التخلي عن زوجته، واعتُقل مجددًا عام 1937، هذه المرة، حُكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات في معسكر اعتقال قريب من بلدته، و كانت تلك آخر مرة يرى فيها زوجته وابنته.
بينما أُرسلت إيكلر إلى السجن بتهمة العصيان المدني حيث أنجبت ابنتها الثانية، إيرين، و من هناك، أُرسلت إلى معسكر اعتقال حيث يُعتقد أنها لقيت حتفها عام 1942. أُطلق سراح لاندميسر من المعتقل عام 1941، وجُنّد في النهاية للقتال ضد الحلفاء. قُتل في معركة في كرواتيا عام 1944، مدافعاً غصباً عن دولة كرهها و حكومة إحتقرها.
وُضعت الابنتان مع والدين بالتبني، ونجاتا من الحرب.