مرض دماء جروح المسيح | رحلة إلى أغرب أسرار الكنيسة الكاثوليكية
دماء تنزف من اليدين والقدمين… قديسون يزعمون أنهم يشاركون المسيح آلامه… لكن هل الوصمة معجزة سماوية فعلًا؟ أم واحدة من أعظم الخدع الدينية في التاريخ؟ اقرأ القصة الكاملة على: bchistory.net
من فرنسيس الأسيزي إلى كاثرين من سيينا و بادري بيو، ظاهرة الوصمة أو مرض دماء المسيح حيّرت العالم لقرون. هل هي مشاركة حقيقية في آلام المسيح، أم خدعة نفسية وجسدية دعمتها الكنيسة؟ اكتشف القصة الكاملة
الأخت البلجيكية رومولدا [هولندا] على فراش موتها مع وصمات جراحها (1948)
من بين جميع الظواهر الغامضة في تاريخ المسيحية، لا شيء يثير الدهشة والرعب مثل الوصمة أو مرض دماء المسيح. تلك العلامات الدموية التي تظهر فجأة على أجساد بعض القديسين المسيحيين، مطابقة تمامًا لآثار الصلب: جروح في اليدين والقدمين، طعنة في الجنب، أحيانًا أثار تاج من الشوك وضع على الرأس، وأحيانًا آثار جلدٍ على الظهر كما لو أنهم عُذبوا بالسياط. هل هي معجزة إلهية؟ أم خداع متعمد؟ أم مجرد انعكاس نفسي لجراح روحية عميقة؟
ولادة الظاهرة
يرجع أول تسجيل واضح للوصمة إلى سنة 1224م، عندما انسحب فرنسيس الأسيزي إلى جبل لافيرنا للتأمل والصلاة. هناك، حسب روايات تلاميذه، رأى رؤية غامرة للمسيح مصلوبًا، وفجأة ظهرت على جسده الجروح ذاتها. عاش فرنسيس سنتين بعد تلك الحادثة وهو يعاني من النزيف والألم، حتى وفاته. اعتبر أتباعه الأمر علامة على قداسته، بينما وقف آخرون حائرين: هل يمكن للجسد أن يعكس آلام المسيح بهذه الصورة؟
القديس فرنسيس الأسيزي يتأمل جروح الوصمات كجزء من تقليد المسيح
انتشار الوصمة عبر أوروبا بعد فرنسيس الأسيزي
لم تتوقف القصص. في القرون الوسطى، أصبحت أخبار الرهبان والراهبات الذين تظهر عليهم الوصمة تتكرر في إيطاليا، فرنسا، ألمانيا، وإسبانيا. بعض الحالات كانت علنية أمام مئات الشهود، وبعضها بقي سرًا في الأديرة من أشهرها :
كاترينا من سيينا (1347 – 1380)
واحدة من أكثر الحالات شهرة. قيل إن يديها وقدميها نزفت مرارًا، لكنها طلبت من الله أن تختفي العلامات الخارجية ليبقى الألم وحده. وعندما ماتت، قيل إن الجروح عادت للظهور على جسدها كبرهان، طبعا هي كان لديها تابعون مجانين قامو حتى بتهريب جسدها من روما لمدينة سيينا لحفظه كأثر و تحنيطه، لكن كان لديها كارهون أكبر، خصوصا بعدما إدعت أن المسيح ظهر لها و طلب منها الزواج عبر وضع جلدة الختان الخاصة به على إصبعها.
القديسة كاترين تغمى عليها من وصمة، كنيسة القديس بانتاليون، الألزاس، فرنسا
مارغريت ماري ألاكوك (القرن السابع عشر)
ولدت مارغريت ماري سنة 1247 في فرنسا، وعاشت طفولة مليئة بالمرض والوحدة. منذ صغرها كانت تميل للتأمل والصلاة بشكل مبالغ فيه، حتى أن أسرتها رأت فيها “طفلة غريبة” تعيش في عالمها الروحي الخاص. عندما أصبحت راهبة، بدأت ترى رؤى متكررة للمسيح. واحدة من أشهر هذه الرؤى كانت عام 1675، حين ادعت أن المسيح أراها قلبه و هو يشتعل بالنار، يحيط به إكليل من الشوك وينزف دمًا. هذه الرؤية أسست لاحقًا لمذهب عبادة “القلب الأقدس” التي انتشرت في الكنيسة الكاثوليكية و مزالت حتى اليوم. لكن الأكثر غرابة أن جسدها نفسه بدأ يعكس هذه الصور. تقارير من ديرها تقول إنها عانت من آلام حادة في الصدر واليدين، وأحيانًا كان يظهر نزيف حقيقي. البعض قال إنها تخيلت الأمر، لكن تلميذاتها أقسمن أنهن رأين الدم بأعينهن. المثير أن الكنيسة لم تتقبلها فورًا. اتُهمت بالهستيريا وبالمبالغة، بل وحتى بالخداع. لكن بعد وفاتها، ومع انتشار عبادة القلب الأقدس، أُعيد النظر في قصتها وأُعلنت كقديسة عام 1920. اليوم، يُعتبر قبرها مزارًا للحجاج، وما زال الناس يربطونها بفكرة الجسد الذي يتألم كما لو كان قلب المسيح نفسه ينبض فيه.
قلب يسوع الأقدس، لوحة برتغالية من القرن التاسع عشر
بادري بيو (1887 – 1968)
قصة بادري بيو هي الأغرب على الإطلاق في تاريخ الوصمة الحديث أو الستيغما. اسمه الحقيقي فرانشيسكو فورجيوني، ولد عام 1887 في جنوب إيطاليا، وانضم مبكرًا إلى الرهبنة الكبوشية. في عام 1918، أثناء صلاته في ديره، ظهر على يديه وقدميه وجنبه نزيف غزير. لم يكن نزيفًا عابرًا، بل استمر معه طوال خمسين سنة تقريبًا، حتى وفاته عام 1968. ما الذي جعل قصته استثنائية؟ 1. الدم المستمر: جروحه لم تلتئم قط، وكانت تنزف بشكل منتظم. بعض التقديرات تقول إنه فقد عشرات اللترات من الدم عبر حياته. 2. رائحة غريبة: شهود كثيرون قالوا إن الدم المنبعث من جروحه لم تكن له رائحة عادية، بل كان يشبه رائحة الزهور. 3. الخوارق المرافقة: ربط الناس به ظواهر أخرى مثل القدرة على قراءة الأفكار، الظهور في أكثر من مكان (ظاهرة “التواجد المزدوج”)، وحتى شفاء المرضى.
موقف الكنيسة منه
الكنيسة في البداية لم تتقبل الأمر بسهولة. جرى التحقيق معه مرارًا، وأحيانًا مُنع من ممارسة الشعائر علنًا بسبب الجدل. بعض الأطباء الذين فحصوا جروحه أكدوا أنها لا تشبه أي إصابة طبيعية، بينما أكد أطباء آخرون أنها نتيجة مواد كيميائية حيث أن الجروح لم تكن عميقة كما ادعى بل كانت كحروق بالحمض، و كانت عليها أثار إستخدام زيوت عطرية. لكن شعبيته بين الناس كانت هائلة. الآلاف كانوا يتدفقون إلى ديره ليروا "الكاهن النازف"، وادعى كثيرون أنهم حصلوا على بركاته أو شفوا من أمراض مستعصية بسببه. بعد وفاته، استمرت عبادة شخصيته حتى أعلن الفاتيكان قداسته رسميًا عام 2002، وسط نقاشات ما زالت مستمرة حتى اليوم: هل كان معجزة حية، أم أستاذًا بارعًا في الإيحاء والخداع؟
الأب بيو الشاب يظهر الوصمات
موقف الكنيسة
لم يكن موقف الكنيسة الكاثوليكية موحدًا. ففي بعض الأحيان، اعتُبرت الوصمة علامة قداسة، دليلًا على الاتحاد العميق بالمسيح. أصحابها رُفعوا إلى مرتبة الطوباويين أو القديسين. لكن في أحيان أخرى، تعاملت الكنيسة بحذر شديد، إذ خشيت أن تكون مجرد خداع أو هستيريا جماعية. بعض الحالات خضعت لتحقيقات صارمة من محاكم التفتيش. وهناك تقارير عن راهبات و"قديسين مزعومين" حُكم عليهم بالزيف، بل وأُدين بعضهم بممارسة السحر و تم حرقهم على الخشبة.
التفسيرات المحتملة
التفسير الديني حسب الكنيسة : الوصمة علامة من الرب المسيحي يسوع. إنها مشاركة حقيقية في آلام المسيح، وتمنح المؤمن شهادة قداسة لا يمكن إنكارها. هذا التفسير هو ما تبنته الجماعات المؤمنة حول الحالات الأشهر مثل فرنسيس الأسيزي وبادري بيو.
التفسير الطبي والنفسي بعض الأطباء النفسيين تحدثوا عن "الاضطراب الجسدي النفسي"، حيث يمكن للعقل تحت ضغط شديد أن يؤثر على الجسد مسببًا نزيفًا أو جروحًا سطحية. نظريات أخرى تحدثت عن الهستيريا التحولية، خاصة عند الراهبات اللواتي يعشن حياة زهد قاسية مع عزلة روحية و المستعدين لتصديق أي شيئ من اجل الدين، و أغلب الجروح المزعومة من الحالات الحديثة من الواضح أنها حروق كميائية من الحمض و الأسيد، و ليست عميقة و الا لكانت إلتهبت بالبكتيريا و العفن. كثير من الباحثين و المسيحيين السابقين رأوا أن الظاهرة لا تخرج عن كونها خداعًا مقصودًا. بعض الحالات كانت حتى تضع البارود على الجلد و حرقه لخلق الجروح. وهناك اتهامات بأن بعض "القديسين" فعلوا ذلك لكسب الاحترام أو النفوذ داخل مجتمعاتهم الدينية.
الجدل المستمر
الغريب أن الظاهرة لم تختفِ مع العصور الوسطى. حتى في القرن العشرين والحادي والعشرين، ظهرت حالات متفرقة في أوروبا وأمريكا الجنوبية. الفاتيكان غالبًا ما يتعامل مع هذه التقارير بسرية، يرسل لجانًا طبية لفحص الأجساد، وفي معظم الأحيان يظل الحكم غامضًا. مهما كان التفسير، فإن الوصمة تحمل بعدًا رمزيًا قويًا: إنها تجسيد مادي لفكرة "المشاركة في آلام المسيح". إنها حدود غامضة بين الإيمان و الجنون، بين المعجزة و الوهم، بين الجسد البشري و السر الإلهي.
الوصمة ليست مجرد جروح على جسد، بل مرآة تكشف عن علاقة معقدة بين الإنسان و المقدس. سواء كانت عملًا إلهيًا أو خداعًا بشريًا، فإنها تظل من أكثر الظواهر إثارة للرعب والفضول في تاريخ الكنيسة. في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل هذه الجروح دماء من السماء، أم مجرد خداع من لحم و دم؟
المصادر و المراجع
1. Michael P. Carroll – Stigmata and Modernity: Miracles in a Secular Age https://www.amazon.com/Stigmata-Modernity-Miracles-Secular-Age/dp/0415296813
2. Ruth Harris – Lourdes: Body and Spirit in the Secular Age
https://www.amazon.com/Lourdes-Body-Spirit-Secular-Age/dp/0140249120
3. Ted Harrison – Stigmata: A Medieval Phenomenon in a Modern Age
https://www.amazon.com/Stigmata-Medieval-Phenomenon-Modern-Age/dp/1850752960
4. Herbert Thurston – The Physical Phenomena of Mysticism https://archive.org/details/physicalphenomen00thuruoft
5. Donald Weinstein & Rudolph Bell – Saints and Society: The Two Worlds of Western Christendom, 1000–1700 https://www.amazon.com/Saints-Society-Christendom-1000-1700/dp/0226890559
6. Caroline Walker Bynum – Holy Feast and Holy Fast: The Religious Significance of Food to Medieval Women https://www.ucpress.edu/book/9780520063297/holy-feast-and-holy-fast
7. Catholic Encyclopedia – “Stigmata” (New Advent)
الرجل الذي رفض أداء التحية النازية
الرجل الذي رفض أداء التحية الن*زية.
الجندي الألماني في الصورة هو أوغست لاندميسر، انضم لاندميسر إلى الحزب النازي عام 1932، معتقدًا أن ذلك سيساعده في الحصول على وظيفة خلال فترة اقتصادية صعبة. ومع ذلك، في عام 1934، وقع لاندميسر في حب امرأة يهودية تُدعى إيرما إيكلر.
بعد عام، تمت خطبتهما، لكن طلب زواجهما رُفض بموجب قوانين نورمبرغ التي سُنّت حديثًا التي تمنع تزاوج الألمان من السلاف و اليهود و العرب و الشيوعيين و المعوقين و الغجر، و مع ذلك، لم يمنعهما هذا من إنجاب أطفال خارج الزواج المدني، وأنجبت إيكلر ابنتهما الأولى، إنغريد، عام 1935.
بعد عامين، حاول لاندميسر وزوجته وابنته الفرار من ألمانيا إلى الدنمارك، لكن السلطات ألقت القبض عليهما. وُجهت إلى لاندميسر تهمة "إهانة العرق الآري"، لكنه بُرِّئ لاحقًا لعدم وجود أدلة كافية، وأُمر بقطع علاقته بإيكلر.
لكنه رفض التخلي عن زوجته، واعتُقل مجددًا عام 1937، هذه المرة، حُكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات في معسكر اعتقال قريب من بلدته، و كانت تلك آخر مرة يرى فيها زوجته وابنته.
بينما أُرسلت إيكلر إلى السجن بتهمة العصيان المدني حيث أنجبت ابنتها الثانية، إيرين، و من هناك، أُرسلت إلى معسكر اعتقال حيث يُعتقد أنها لقيت حتفها عام 1942. أُطلق سراح لاندميسر من المعتقل عام 1941، وجُنّد في النهاية للقتال ضد الحلفاء. قُتل في معركة في كرواتيا عام 1944، مدافعاً غصباً عن دولة كرهها و حكومة إحتقرها.
وُضعت الابنتان مع والدين بالتبني، ونجاتا من الحرب.